دخول المتدربين

تواصل عبر الواتس الآن
00962791893302 

فلسفة النظم الاقتصادية واخلاقيات الاقتصاد الاسلامي

فلسفة النظم الاقتصادية واخلاقيات الاقتصاد الاسلامي

 

 

 

 

 

 

 

          منذ ظهور النظم الاقتصادية الوضعية، الرأسمالية في منتصف القرن الثامن عشر، ولاحقا الشيوعية، لا تزال هذه النظم تعاني من اختلالات جوهرية كامنة، فالشيوعية رغم أنها ظهرت مناهضة للرأسمالية ومحاربة الفكر الامبريالي ونظّرت لسقوطه واستخدمت في ذلك أدوات تحليلية في التفسير المادي للتاريخ، وعزت انهيار الرأسمالية إلى الصراع الطبقي في المجتمع الرأسمالي، ومع ذلك انهار النظام الشيوعي في مهده قبل أن يحقق مجتمعه الفاضل الذي وعد به. أما النظم الاقتصادية المتبقية فهي الرأسمالية والاشتراكية، التي تجمع بين خصائص الرأسمالية والشيوعية، ولها تطبيقات اقتصادية في كثير من المجتمعات. غير أن السائد والمهيمن الآن هو فكر النظام الرأسمالي، ومع أن هذا النظام لا يزال عنواناً للحضارة الغربية وما توصلت إليه من تقدم في مختلف المجالات، فهو لا يزال أيضا يعاني من اختلالات جوهرية، وقد افرز العديد من الأزمات الاقتصادية والإنسانية عبر تاريخه، فمنذ منتصف القرن التاسع عشر هناك ما لا يقل عن 40 انتكاسة للاقتصاد الرأسمالي، والملفت أن هذه الانتكاسات ملازمة للرأسمالية ومراحل دورية يمر بها الاقتصاد، وتوصف بالدورات الاقتصادية حيث يمر النشاط الاقتصادي بمراحل أربع : الانتعاش ثم الركود ثم الكساد ثم التعافي، وهذه الدورات ما هي إلا انعكاس للفلسفة التي يقوم عليها الفكر الرأسمالي وآلية سوقه الحر. ولعل اخطر الأزمات التي مر بها النظام هو الكساد العظيم في 1929م ، الذي افقد الولايات المتحدة الأمريكية نصف اقتصادها خلال سنوات قليلة وإفلاس آلاف الشركات وفقدان مئات الآلاف مصادر دخلهم، واكتساح موجه الأزمة كل الاقتصاديات العالمية الرأسمالية، وقد كانت بحق كارثة إنسانية لن ينساها العالم، وتأتي أزمة النظام المالي الحالية انتكاسة أخرى للرأسمالية. ورغم التعديلات التي مر بها النظام الرأسمالي، إلا أن هذه الأزمات المستمرة تدل على وجود انحرافات جوهرية في إيديولوجيته، ولا أدل على ذلك من التدخلات والإسعافات السياسية المستمرة لإنقاذ الرأسمالية منذ 1929م والى الآن. ومهما تعافى النظام من أزماته إلا أن الدلائل تؤكد على نهاية حتمية لا مفر منها، سواء طال الزمن أم قصر، لان المشكلة ليست في التطبيقات الاقتصادية للنظام الرأسمالي، وإنما تكمن في فلسفته وإيديولوجيته. وطالما أن النشاط الاقتصادي يعبر عن شبكة من السلوكيات الاقتصادية في اطر تنظيمية وقانونية معينة، فان نجاح هذه السلوكيات يعتمد على الفلسفة والإيديولوجية لهذه السلوكيات وكذلك الآليات التنفيذية لتحقيق أهداف وغايات هذه السلوكيات. ومعلوم أن الفكر الرأسمالي قائم على فلسفة مادية بحته، ولا يعترف بأي دين سماوي، لذا فهو مفرغ تماماً من القيم الدينية والأخلاقية، حتى وان زعم العدالة والخيرية والمنافسة العادلة، لان الواقع يثبت عكس ذلك، فبعد الرأسمالية كيف أصبح العالم؟ انقسم العالم إلى دول نامية ومتقدمة، ودول شمال ودول جنوب، وبفضل الرأسمالية تراكمت 80% من ثروات العالم في أيدي 20% من سكان العالم جلهم في الدول الرأسمالية، وأصبح 80% من سكان الأرض يتصارعون على 20% من ثروة العالم، وبعد الرأسمالية انقسم الناس في مجتمعاتهم إلى دائن ومدين طوال حياتهم بسبب الفوائد الربوية. إن هذه الإفرازات لا يمكن تنتج من نظام وفكر به أدنى قدر من العدالة الإنسانية فضلا عن الأخلاق والقيم الدينية.

     وهنا يأتي الاقتصاد الإسلامي كنظام يحمل في طياته المكونات الأخلاقية والدينية، فالاقتصاد الإسلامي يحمل عقيدة سماوية الهية تهذب سلوك الإنسان في كيفية التعامل مع كل موجودات الكون وموارده ، وسلوكه مع الآخرين، فالنظام الإسلامي عقيدة وفلسفة وتطبيق وغايات سامية لا تقتصر على المنافع المادية الزائلة، بل تتجاوزها إلى أهداف اخروية من اجر وثواب. وتظهر بجلاء أخلاقياته في تحقيق مفهوم العدالة والخيرية والرفاه الاجتماعي، من خلال تحريم كل السلوكيات التي تؤول إلى الظلم مثل الاستغلال من خلال المعاملات الربوية والغرر والظلم التي قد تقع في التعاملات الاقتصادية، واحترام وظيفة رأس المال في الإنتاج الحقيقي وليس الوهمي، ومنع بيع الديون التي هي سبب الأزمات الاقتصادية. وتأتي مؤسسة الزكاة العظيمة التي هي ركن لا يصح إسلام المرء إلا بأدائه، وذلك لعظيم أثرها وأهمية دورها في التوازن الاقتصادي والاجتماعي، والزكاة هي أداة لمحاربة التراكم الرأسمالي في أيدي فئة محدودة دون أن تسهم في مساعدة الآخرين، ومحاربة الطبقية الاقتصادية واتساع الفجوة الاقتصادية بين فئات المجتمع، كما أنها تكشف عن فلسفة في غاية الأهمية وهي الاعتقاد بان مالك المال المطلق هو الخالق سبحانه وتعالى، وأما الإنسان فملكيته ملكية استخلاف، وعليه أن يؤدي وظيفة الاستخلاف كما أرادها الخالق سبحانه وتعالى.

     والاقتصاد الإسلامي كان هو النظام الذي ساد عبر الحضارة الإسلامية بنحو أكثر من ألف سنة، ولم يكن سبباً في أي أزمة مالية أو سياسية. ولكون النظام الاقتصادي الإسلامي جزء من منظومة كبرى وهي الشريعة الإسلامية، فلا يتصور أن يُطبّق هذا النظام في غير بيئته، فأول شرط لنجاح نظام الاقتصاد الإسلامي هو العودة إلى الشريعة الإسلامية عبادةً وسلوكاً ونظاماً، وهذه هي الخطوة الأهم لكي نطبق هذا النظام، ثم تأتي الخطوة التالية وهي بناء مؤسسات اقتصادية تتلاءم مع طبيعة المجتمع الإسلامي ومكوناته، وأولها تكوين النظام المالي الذي هو عصب الاقتصاد وحلقة الوصل بين أصحاب الفوائض وأصحاب العجز المالي، واستبعاد الفوائد الربوية كأداة محركة لهذا النظام وكأداة لإدارة الاقتصاد.

     وهاهو اليوم يدرك حكماء الرأسمالية وعلمائها وحشية هذا النظام الذي افرز المآسي الإنسانية والأزمات الاقتصادية المتتالية، واليوم يدعوا بكل جرأة بضرورة تطبيق هذه الأخلاقيات التي هي مكونات أساسية في فلسفة الاقتصاد الإسلامي، وقد أعلنت بعض المؤسسات الإعلامية بصراحة أن الرأسمالية بحاجة إلى أخلاقيات وقيم الإسلام. وفي هذا الإطار، كتب رئيس تحرير مجلة تشالنجر تحت عنوان " البابا أو القران" وهنا يشير إلى ضرورة العودة إلى التعاليم الدينية إما إلى المسيحية أو إلى الإسلام، حيث يتساءل عن مدى أخلاقية الرأسمالية!!  وأخلاقية الفوائد الربوية!! ومدى ما أدت إليه من كوارث إنسانية!! وقال إننا بحاجة إلى قرأة القران الكريم لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا !! وقال لو احترمنا ما ورد في القران لما حل بنا كوارث كهذه ولما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري لان النقود لا تلد نقودا !! وبجرأة اكبر طالب رئيس تحرير صحيفة لوجورنال بضرور تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال المالي والاقتصادي لمنع التلاعب بقواعد المعاملات والإفراط في المضاربات الوهمية غير المشروعة. ويتساءل كاتب آخر: هل تأهلت سوق وول ستريت لاعتناق مبادئ الشريعة الإسلامية؟ وقدم سلسلة من المقترحات وعلى رأسها تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية في المعاملات المالية. ومن الخطوات العملية في هذا الإطار، قامت الهيئة الفرنسية العليا للرقابة المالية، وهي أعلى هيئة رسمية تعنى بمراقبة نشاطات البنوك، باتخاذ قرار بمنع الصفقات الوهمية والبيوع الرمزية التي يتميز بها النظام الرأسمالي، وهو ما ينطبق مع قواعد المعاملات الإسلامية.  

     غير أن تطبيق الاقتصاد الإسلامي ليس بالأماني وليس مجرد شكليات تطبيقية وإنما لابد من توافر البيئة المناسبة له، وأولها السلوك الأخلاقي والقيمي لأفراد المجتمع ووحداته الاقتصادية والتنظيمية والقانونية، و لا يمكن تبني الاقتصاد الإسلامي في التطبيق بينما العقيدة رأسمالية، فلا بد من العودة الحقيقية لبيئة النظام الاقتصادي الإسلامي ضمن إطار منظومة الشريعة الإسلامية، وانعكاس ذلك على سلوكيات المجتمع وأفراده، وحينئذ يتحول الاقتصاد إلى أهداف أخلاقية وخيرية مع المنافع المادية، ويصبح وسيلة وليس غاية.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والله وليّ التوفيق

النشرة التعريفية

اشترك في النشرة التعريفية لأكاديمك ليصلك جديد الدورات والدبلومات

خدمات المتدربين

acdemic_707077@yahoo.com

مدونات أكاديمك

جميع الحقوق محفوظة أكاديمك للتدريب والتعليم 2011 - 2024